قبل مباراة الإياب بين مانشستر سيتي وريال مدريد: بعض الملاحظات والتقديرات

لم تكن مباراة الذهاب بين ريال مدريد ومانشستر سيتي في نصف نهائي أبطال أوروبا مباراة صاخبة أو استثنائية الإثارة. لكنها كانت بلا شك من أفضل ما يمكن لكرة القدم أن تقدّمه اليوم لجهة التكتيك الذي اعتمده الفريقان، والجهد الذي بذله اللاعبون في جميع الخطوط. 

وإذ تفوّق مانشستر كما كان متوقّعاً في الاستحواذ على الكرة ومحاصرة مدريد في منطقته في معظم فترات الشوط الأول وبعض فترات الشوط الثاني، تفوّق مدريد في ضبط إيقاع المباراة بعد ربع ساعةٍ من بدايتها نتيجة ليونة خطوطه وردّ مودريش وكروس (مرّتين) على تعديلات غوارديولا التكيتيكية، ونجاحهما مع فالفيردي في منع مانشستر من فرض سرعته المعهودة في اللعب التي لا يستطيعون مجاراتها. 

ويمكن ذكر ثلاثة أمور رئيسية ميّزت مباراة الذهاب.

الأمر الأول، أن غوارديولا الذي لم يجرِ أي تبديل طيلة الدقائق التسعين رغم امتلاكه عدداً من الخيارات الهجومية أكبر وأكثر تنوّعاً مما يمتلك أنشيلوتي بسبب لاعبي الاحتياط لديه وقدراتهم على مدّ الفريق إن دخلوا بحيوية كبرى في جميع المراكز، محرز وفودن وألفاريز ومن خلفهم فيليبس، مقابل أسونسيو فقط من ناحية مدريد، غوارديولا إذاً، أراد إبقاء فيزيونوميا فريقه على حالها خلال مجريات اللقاء، خاصة بعد هدف التعادل، كي يتجنّب كلّ خلل في التوازن يمكن للاعب جديد أن يتسبّب به في الدقائق الأولى التي تلي دخوله، قبل أن يتأقلم مع جوّ المباراة. على أنه انتقل خلال المبارزة من الـ3-2-4-1 الى الـ3-4-2-1 ليعود الى الـ3-4-3 (في سعي دائم الى السيطرة على وسط الملعب وإبقاء الكرة على مقربة من منطقة جزاء الخصم) وطلب أكثر من مرة من لاعبيه توسيع رقعة التمريرات لإلزام المدريديين بالخروج من تكتلّهم في محور الملعب. وهذا يعني بعد انتزاعه التعادل في "سنتياغو برانبيو" أنه سيسعى في مباراة الإياب في "الاتحاد" الى تغيير مقاربته، من خلال التركيز على تسريع تناقل الكرة في العرض والاعتماد على المحور والجناحين، حيث يمكن لأي اندفاع مدريدي هجومي أن يترك مساحات تتيح اللعب الثنائي فيها والتقدم نحو المرمى لحسم النتيجة.

الأمر الثاني هو إدارة لاعبي ريال مدريد للمباراة ونجاح إنشيلوتي، الذي يترك لخطّ وسطه حرّية التصرّف في الاستحقاقات الكبرى، في استيعاب ضغط مانشستر سيتي والتفوّق عليه تكتيكياً في أوقات كثيرة (ولَو أن النتيجة النهائية للمواجهة الأولى ستصعّب مهمّته في المواجهة الثانية، الأهم، في مانشستر). مردّ ذلك خبرة كروس ومودريش في قراءة مجريات اللعب وفاعلية تصرّفهما وتموضعهما عند كل تبديل في انتشار لاعبي مانشستر. هكذا انتقل مدريد من اللعب بـ4-1-2-3 الى 4-1-4-1 (تاركاً كروس في الحالتين أمام المدافعين لمنع دو بروين من الاقتراب من هالاند الذي عطّل روديغر بمساعدة ألابا خطورته تماماً) وصولاً الى الـ4-3-3 المعهودة في الدقائق العشر الأخيرة (بعد إخراج كروس ومودريش). كما أن بنزيما، رغم عدم تهديده المرمى الخصم سوى مرة واحدة، أتاح في تحرّكاته وتمريراته البينية لفينيسوس (مصدر الخطر الدائم) ورودريغو (الذي بات يُجيد تبديل المراكز بسرعة قياسية) التحرّر من الرقابة اللصيقة التي حاول ووكر وأكانجي فرضها عليهما. ولعب فالفيردي على اليمين دوراً فاعلاً في حماية كاربخال من خطورة غريليش وغوندوغان، كما لعب كامافينغا مباراة كبيرة فأنهك برناردو سيلفا وأهدى هدف مدريد بعد تقدّمه بالكرة أكثر من 50 متراً الى فينيسوس، قبل أن يتسبّب تمريره الخاطئ نحو وسط الملعب بهدف التعادل لمانشستر.

أما الأمر الثالث فهو قدرة أفراد من كل فريق، في هذا المستوى من الأداء، على التسجيل في لحظات غير متوقّعة، وغير مرتبطة بوتيرة اللعب أو بهوية السيطرة على المباراة. فهدف فينيسوس جاء في لحظة كان مانشستر فيها متفوّقاً، وهدف دو بروين جاء في ذورة السيطرة المدريدية. والهدفان كانا بتسديدتين يندر أن نرى ما يماثلهما قوّة ودقّة. وكان يمكن لكل فريق أن يضيف هدفاً أو أكثر من أوضاع مشابهة. ولن نتفاجأ إن شاهدنا أهدافاً مباغتة في المواجهة الحاسمة اليوم الأربعاء.

مدريد المهدّد بعاصفة هجومية

الإياب سيكون على الأرجح إذاً أكثر ديناميةً وصخباً، من ناحية مانشستر على الأقل. ذلك أن غوارديولا يخشى بقاء النتيجة على حالها، كي لا يستعيد لاعبوه شبح سيناريو المواجهتين في الموسم الماضي. كما أنه يلعب بعد تجربته عدة خطط هجومية في المباراة الأولى، ويمكنه هذه المرّة الدفع بمحرز وفودن مثلاً لمضاعفة الضغط على الجناحين. وسيتّكل في وسط الملعب على دوبروين وغوندوغان، بمساعدة رودري وغريليش، لتحرير هالاند من الرقابة المدريدية اللصيقة وإيصال الكرة إليه داخل منطقة الجزاء منوّعاً بالتالي عمليّات الاختراق. 

من جهته، سيبذل مدريد جهداً هائلاً لإبطاء اللعب واستيعاب الضغط عبر دفاع منخفض ومواجهات فردية وتجنّب توسيع رقعة الانتشار، بما يسمح بإطلاق هجمات مرتدّة يستفيد فيها من سرعة فينيسوس ورودريغو وخبرة بنزيما. وهو إن نجح في التهديف، يستطيع إدارة المباراة لاحقاً ودفع سيتي لتكثيف الهجمات واستغلال أي ثغرة أو خلل تموضع. على أن خيارات أنشيلوتي، وهو المدرّب الشديد الواقعية، محيِّرة لجهة الأفضليات. فإن أراد كتلة دفاعية متراصة لمواجهة العاصفة الهجومية التي سيتعرّض لها، قد يكون من الأجدى أن يلعب بروديغر وميليتاو كقلبَي دفاع ويدفع بآلابا ظهيراً أيسر وبكاربخال على الميمنة. وهذا يعني إعادة كامافينغا الى وسط الملعب الى جانب كروس ومودريش. المشكلة حينها أن عليه المفاضلة بين رودريغو وفالفيردي في مركز الجناح الأيمن. فالفيردي أقل خطورة كمهاجم من زميله البرازيلي، لكنه أكثر ارتداداً دفاعياً وقدرة على مساندة كاربخال. في المقابل، إن أبقى أنشيلوتي على التشكيلة الدفاعية إياها التي خاض بها الذهاب، يُخشى أن يتعرّض كامافينغا هذه المرة لضغط شديد من سيلفا أو محرز، يحول دون خروجه من منطقته، مما يفرض على فينيسوس التراجع الدوري لاستلام الكرة أو انتظار تمريرات طويلة يمكن لووكر أو دياز قطعها أو أقلّه مخاشنته لمنع استفادته منها.

يبقى الصراع الكبير على وسط الملعب وتحديداً على المساحة بين خطّي الوسط والهجوم. لمدريد أفضلية خبرة كروس ومودريش وحيوية كامافينغا أو فالفيردي وسرعة الرد على كل انتشار أو أسلوب لعب (رغم بروز افتقاد كاسيميرو أحياناً كثيرة هذا الموسم)، ولمانشستر سيتي أفضلية السرعة والضغط أياً كان الثلاثي (أو الرباعي) المُعتمد من غوارديولا.

وإذا كانت حظوظ مانشستر بالتأهّل الى النهائي أعلى وأفضل من حظوظ مدريد بالنظر الى اللعب على أرضه وتفوّقه في الاستحواذ على الكرة وخلق الفرص وتنويع الخيارات الهجومية بواسطة اللاعبين الأصليين أو البدلاء، فإن قدرة ريال مدريد المذهلة في البطولة الأوروبية على تقديم مستوى مختلف عمّا يقدّمه أحياناً من أداء رتيب في الدوري الإسباني (في ما عدا المباريات الكبرى التي خاضها فيه وفي نصف نهائي الكأس ضد برشلونة)، تُعيد بعض التوازن الى المباراة وتعد بقّمة جديدة، سيُواجه المتأهّل منها إنتر ميلانو في اسطنبول في نهائي المسابقة الأوروبية الأعلى شأناً.

زياد ماجد

Commentaires

Articles les plus consultés