فينسوس جونيور، الموهبة الخارقة والمعركة ضد العنصرية

يشقّ فينيسوس طريقه كل ما استلم كرةً أو انتزعها نحو المرمى. ينطلق بسرعة استثنائية وبقدرة على التخطّي تجعل كل لاعبٍ مكلّف بمراقبته أو كلّ ظهير أيمن في الفريق المنافس يعيش كابوساً، غالباً ما يستمرّ بعد دقائق اللقاء التسعين، حين يُضطر لمشاهدة بعض لحظات المباراة وتقييم ما فيها من مواجهات فردية مباشرة مع الجناح البرازيلي الأيسر.

يخترق فينيسوس الخطوط ويمرّر نحو منطقة الجزاء أو يقتحمها ويسدّد أو يلعب بالكعب أو بطرف القدم، مفاجئاً الخصوم بتعامله مع الكرة وموفّراً لزملائه في الكثير من الأحيان شروط التسجيل المثلى. 

قد يُقال إن اللاعب الشاب يبالغ في محاولاته "الترقيص" أو المراوغة. وقد يُقال أيضاً إن كرة القدم الحديثة تتطلّب انضباطاً تكتيكياً ليس لفنون فينيسوس وثقافة "الجينغا" مكاناً فيها. لكن لا هذا القول ولا ذاك يؤثّر على اللاعب، وهذا من حسن حظّنا ومن حسن حظّ الرياضة نفسها. فالحرية والجماليّات إذ تُعطف على اللعب الجماعي وسرعة البديهة هي أجمل ما في كرة القدم وإبداعاتها، وهي بالتحديد ما خلقته "الجينغا" البرازيلية التي يُتقنها فينيسوس والتي يتوجّب الدفاع عنها في مواجهة التكتيك الآلي المُبالِغ بانضباطيّته.

ومتابعة فينيسوس في ريال مدريد منذ أربع سنوات تُظهر مدى تطوّر أدائه ومهاراته بمواكبة ثلاثة لاعبين كبار جعلوه يرفد موهبته الخام بقراءة جيدة للملعب وبفاعلية تهديفية وتمريرية حاسمة: كريم بنزيما وطوني كروس ولوكا مودريش. الأوّل من خلال حسن التموضع وحسّ التهديف وحماية الكرة وانتظار اللحظات الحاسمة للتسديد أو التمرير. الثاني عبر التفاهم على سُبل الاستفادة من مساحات اللعب و"ركلجة" السرعة بما يخدم التمرير (العامودي) بالعمق والاندفاع نحو المرمى. والثالث من خلال الحركة الدائمة وتوقيت الانطلاق وأهمّية اللمسة الواحدة للكرة التي يمكن أن تصنع كل الفَرق وتطيح بأكثر من لاعب خصم بنقلة واحدة.

يُضاف الى ذلك أن وجود لاعب شاب إستثنائي آخر الى جانب فينيسوس هو المهاجم البرازيلي الثاني في مدريد، رودريغو، حسّن كثيراً من أدائه، ومن أدائهما. فمهارات الأخير، وإن كانت أكثر كلاسيكية من مهارات فينيسوس، تتجلّى غالباً في محور الهجوم أو على الميمنة وفي مساحات ضيّقة، بما يكمّل الضغط ويزيد من شروط خلق الفرص للّاعبَين، ومعهما قائدهما بنزيما، ويوسّع رقعة الخطر على دفاعات الخصوم.

على أن موهبة فينيسوس وأسلوب لعبه وفنّياته البديعة تتسبّب له بغيرة وبخشونة فظيعة من الكثير من المدافعين المكلّفين بمراقبته، وبطلب مُعيبٍ أحياناً من مدرّبيهم، الذين يدركون أن الأخطاء ضدّه تستفزّه وتُفقده تركيزه وتُخرجه إن تواصلت عن أطواره. ولم يتعامل الحكّام في الدوري الإسباني مع هذا الأمر بعد بالقدر المطلوب من المسؤولية وبالبطاقات الصفراء الرادعة (أو الحمراء أحياناً!) لحماية لاعب من طينته، بات إحصائياً من الأكثر تعرّضاً للمخاشنة في تاريخ كرة القدم، مع مارادونا وبيليه ونيمار الذين كانوا يحتلّون المراكز الأولى (وفق عدد الأخطاء مقارنة بعدد دقائق اللعب).

كما أن بعض مشجّعي النوادي المنافسة لناديه، الافراد أو المنظمّين في روابط، يُطلقون ضده دورياً الشتائم والهتافات العنصرية الوضيعة. ووصل بهم الأمر أكثر من مرة الى حدّ رمي الموز باتجاهه في تقليد مقزّز يبرز في بعض البطولات الأوروبية، خاصة في إسبانيا وإيطاليا. وهذا مردّه براعته وحرّيته وتجسيده اللعب البرازيلي الذي أدخله تاريخياً السود الى كرة القدم، فجمّلوها وجعلوها في العديد من جوانبها فنّاً ساحراً (مستوحين حركاتهم وتمويههم الجسدي من رقصة "الكابوِيرا" القتالية التي كان يمارسها أجدادهم المُستَعبَدين لدى المُستعمِرين البيض). 

لحسن الحظّ أن فينيسوس ما زال يردّ على الخشونة وعلى الحملات  العنصرية بالتهديف والمراوغة وبالاحتفال الصاخب بهزّ الشباك، وبإظهار أن كرة القدم هي مزاوجة بين متعة الجماليات والارتجال وفاعلية اللعب الجماعي وحسن التموضع في المستطيل الأخضر.

 لكن هذا لا يكفي بالطبع ما لم تُؤخذ إجراءات حاسمة لمنع العنصريين البلهاء من إطلاق العنان لكراهيتهم الممزوجة بغيظهم من تفوّقه ورفضه الالتزام بما يريدون فرضه من سلوكيات "بيضاء" رتيبة في الملاعب.

على أمل أن يستمرّ فينيسوس في لعبه وفي أسلوبه، أطول فترة ممكنة، موسّعاً على الدوام ابتسامته وراقصاً بعد كلّ هدف ملوّن يسجّله ويُتحفنا ببهائه.

زياد ماجد

Commentaires