نجماويّات

سنان وخالد برّاج

كلّ ما تذكّرتُ اللحظات المشحونة انفعالاتٍ وتوتّراً وفرحاً خلال مباريات الـ"دربي" البيروتي، بين النجمة والأنصار، تذكّرت الصديقين الحبيبين خالد وأبا خالد، سنان برّاج.

في واحدة من تلك المباريات، مررتُ بالسيارة لاصطحابهما الى الملعب في برج حمود، متواطئاً مع ادّعائهما العائلي بالذهابَ الى اجتماع سياسي، إذ أن طبيب القلب منع سنان منعاً باتاً من حضور مباريات النجمة رأفةً بقلبِه، وتمنّى على السيدة أم خالد التأكّد من امتثاله للحظر... لم أعد أذكر نتيجة اللقاء يومها، لكنّي أذكر أنّني حظيت، بعده بفترة، وخلال الـ"دربي" إياه وكنت في ستوكهولم، بنقلٍ هاتفي حيّ ومباشر من خالد لأحداث شوطَي المباراة. وإذ انتهت المواجهة بفوز نجماوي (ساهم بتتويج النجمة بطلاً للدوري لأوّل مرة منذ ربع قرنٍ من الحرب ومن الألقاب الأنصارية)، اتّصلت بأبي خالد للتبريك له وقد عاد الى البيت، فقال لي "إن قلبه شُفِي ولم يشعر مرّة بأنه أكثر نشاطاً ممّا كان عليه خلال الدقائق التسعين التي استغرقها ذلك... الاجتماع المفيد"!

لِروحه الكريمة السلام. 

الأدعية وضمانة السيد محمد حسن الأمين

في العام 1998، خسر النجمة أمام الأنصار في مباراة دراماتيكية. كتبتُ عقب المباراة نصّاً في "ملحق النهار"، راوياً مُصابنا الجلل جراء الخسارة، وختمته بما معناه أن أدعية الأصدقاء المتديّنين الذين اتّصلوا بي قبل الموقعة لم تصل.

بعد أيام، التقيت بالسيد محمد حسن الأمين، فبادرني ممازحاً: "يا أخي، خلّي النجمة يلعبوا منيح ويسجّلوا أهداف، وبعدين بيِمشي حال الأدعية وبضمَنلك أنها بتوصل"...

لروح السيّد الرحمة وأكاليل الغار.

إثبات وجود الله

في مباراة احتشدنا لمشاهدتها من أعلى مبنى دفعنا "رشوةً" لحارسه كي يسمح لنا بدخوله والانتقال الى سطحه بعد أن نفدت البطاقات وامتلأت المدرّجات قبل ساعات طويلة من صافرة البداية، وامتلأت مثلها أغصانُ الأشجار القليلة وعواميد الكهرباء المحيطة بالجهة الجنوبية لملعب برج حمّود، أكّد لي "جاري" الذي لا أعرفه وهو يعانقني بحرارة وكأننا أعزّ الأصدقاء "أن الله موجود" بعد أن صدّ حارس مرمانا ركلة جزاء اعتبر الجارُ أن تأكيد وجود الله كان وَقفاً على مسارها، وكاد يتضارب مع باقي جيرانه حين أعلن تعليق إيمانه الى حين تسديد "البِلانتي".

الحمد لله الذي حمانا اليقينُ بِوجوده يومَها من عراكٍ على ارتفاع عشر طوابق عن الأرض!

الحكَم والكهرباء

أخبرني "جارٌ" آخر في مباراة ثانية، وكان يملك مولّد كهرباء في حيّه يشترك فيه بعض السكان، أنه قطع الاشتراك عن منزل أحدهم وأعاد له بدل الاشتراك وقال إنه لن يقبل بمدّه بالكهرباء بعد اليوم ولو دفع كنوز الأرض، لأنه كان حكم الراية و"زوّر" حالات تسلّل ضد مهاجمي النجمة حرمتنا من أهداف. وإذ ترجّاه الحكم المذكور مشيراً الى أبنائه وحاجتهم للدرس على ضوء مقبول، ردّ الجار النجماوي أن أولاده لا يدرسون من قهرهم ودموعهم على الأهداف الملغاة لفريقهم بسبب رايته...

شتائم بالأرمنية

شكّلت مباراة النجمة والهومنتمن على مدى سنوات، بعد مباراة النجمة والانصار، وبعد الـ"دربي الأرمني" بين الهومنتمن والهومنمن، المباراة الأكثر حساسية وجماهيرية في لبنان، خاصة إذا أُقيمت في برج حمود.

كنّا غالباً ما نركن السيارات التي تُقلّنا إليها خارج المنطقة، لجهة مار مخايل أو لجهة الدورة أو حتى أطراف النبعة، خوفاً من تحطيمها من قبل جمهور الهومنتمن إن تمكّنّا من إنزال الخسارة بفريقه. نحتفظ أيضاً بعد المباراة بالكَراتين السميكة التي نجلبها بحجّة الجلوس عليها لقساوة باطون المدرّجات وبرودته. لكن الحقيقة أنها تُفيد خاصةً للحماية من الأحذية وبعض الحاجيات التي قد تنهمر من نوافذ وبلاكين الأبنية المحيطة بالملعب، الموالية للهومنتمن، بمعزل عن النتيجة. على أن أكثر ما كان يسلّي في تلك المباريات التي كانت على الدوام مُثيرة مليئة بالأهداف والفرص، أن الجمهورَين يتبادلان التحية في بدايتها، ويدوم أمر التشجيع "الحضاري" ثلاث دقائق، قبل أن تعلو الشتائم والأهازيج الشنيعة والشماتة بخسارات الخصم والهتاف لعدوّه المبين (الهومنمن من جهة والأنصار من جهة ثانية). وبما أن جمهور الهومنتمن يهتف ويغنّي أحياناً بالأرمنية، أمسى تقليداً شتمُ جمهورُ النجمة له ما أن يبدأ بفعل ذلك، ليس من باب الحميّة اللغوية طبعاً، بل من باب الاستباق على ما يقول الشتّامون، ذلك أنه "من المحتمل جداً أن يكون ما يُسمع في المدرجّات المقابلة شتائم لا نفهمها، فالأفضل بالتالي تقذيعهم، إحتياطاً، كي لا نكون كالمغفّلين وسط اللئام"...


موسى حجيج

لم يلقَ لاعبٌ نجماوي قدراً من التشجيع والإعجاب بقدر ما لاقى موسى حجيج. فلا حسن شاتيلا ولا جمال الخطيب ولا حسن عبود ولا يوسف فرحات (الكوري) ولا حمادة عبد اللطيف (الحاوي) ولا جمال الحاج، رغم شعبيتهم الجارفة، مثّلوا ما مثّله موسى خلال عقد من الزمن. ولا شكّ أنه استحقّ الأمر كلاعب، وكقائد للفريق وكصاحب موهبة فذّة، لو كانت في أوروبا لتمّ صقلها فجعلت منه لاعباً من مستوى عالمي.

على أن موسى كان أيضاً يبالغ أحياناً في "الترقيص" وفي الاحتفاظ بالكرة بما يفوّت في بعض المباريات أهدافاً ويحرق أعصاب المشجّعين. التعليق الأكثر ظرفاً الذي سمعته مرّة من مشجّع خلفي، لا أعرف (وآثرتُ ألّا أعرف) إن كان ما يأتيني منه كل ما صاح أو اشتعل فرحاً أو غيظاً رذاذُ بصاقٍ أو ماءٌ من تلك القناني البلاستيكية التي تُرشّ دورياً على الجمهور لتفادي حالات الإغماء والانهيار من شدّة الانفعال. قال المشجّع اعتراضاً على أداء موسى إن الأخير "بدّو يدربل على جميع اللاعبين وعلى الحكم وعلى بيّاع البيبسي اللي ورا الملعب قبل ما يسجّل!" وبالفعل، دربل موسى يومها على 3 أو 4 لاعبين وسجّل في آخر دقيقة هدفاً إلتفتّ من بعده لأنظر الى المشجّع إياه، فوجدته مغمىً عليه في أحضان جيرانه!

ز.م.

Commentaires