حول ريال مدريد وزيدان وإيدين آزار
سقط ريال مدريد أمام تشلسي في نصف نهائي البطولة الأوروبية، وخرج من المسابقة ليصبح النهائي إنكليزياً بالكامل بين تشلسي ومانشستر سيتي، الذي أقصى باريس سان جرمان الفرنسي مجدِّداً الفوز عليه في مباراة إياب غاب عنها كيليان مبابي وفشل فيها نيمار في صناعة الفارق.
على أن سقوط ريال مدريد غير المفاجئ أمام تشلسي وعجزه عن مقارعة خصمه طيلة المباراة يكشفان ثلاثة أمور يعاني منها مدريد منذ العام الفائت.
- الأمر الأول، الإنهاك البدني ومردّه كثرة المباريات والإصابات وتقدّم عدد من اللاعبين النجوم بالعمر وقلّة لاعبي الاحتياط الذين يمكن لزيدان تعويض غياب الأساسيين بهم. ينطبق الأمر على قائد الفريق سيرخيو راموس وعلى الظهير مارسيلو وعلى المهاجم المنقذ للفريق بنزيما، وينطبق على كاربخال الذي أصيب خمس مرّات خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ويمكن إضافة إصابات فالفيردي وفاسكيز المتكرّرة وهما الأكثر قدرة على تبديل المراكز وتعويض النقص وبذل الجهد للوقوف على صورة فريق مُجهد، يُعوّل على الخبرة وندرة ارتكابه الأخطاء والتمركز الجيّد في الملعب وألمعيّة خط وسطه (إلا إذا تعرّض لضغط يفرض عليه إيقاعاً سريعاً وجرياً طيلة المباراة) وذكاء بنزيما أكثر ممّا يُعوّل على قدرته على خلق الفرص التهديفية وتنويع أساليب اللعب والاختراق بالعمق.
- الأمر الثاني، إصرار زيدان على اعتماد نفس الخطط وإجراء نفس التبديلات والمراهنة على ولاء اللاعبين النجوم له، وتحفيزهم الدائم على العطاء وقيادة زملائهم. وباستثناء عدد قليل من المباريات (مثل مواجهاته مع ليفربول وبرشلونة والإنتر وأتلتيكو مدريد)، لم ينجح زيدان هذا العام في إحداث مفاجآت كبيرة، بل بدت كلّ تشكيلاته ومغامراته متوقّعة مثلها مثل محاولات الاختراق الدائم عبر الجناحين التي إن جرى التصدّي المنظّم لها تجعل بنزيما من دون تمويل وتقلّل الخطر على مرمى الخصم. ولولا تمريرات كروس الطويلة والاستثنائية في دقّتها غالباً، ولولا جهود كاسيميرو ومودريش وأهداف بنزيما وبراعة كورتوا لما وصل الفريق الى نصف النهائي أوروبياً أو نافس على البطولة إسبانياً (مع معدّل أهداف قليل مقارنة بما كان يسجّله كمعدّل سنوي). وهذا يعني أن فضل زيدان الأكبر هذا الموسم هو في قيادته للاعبين وعلاقته بهم أكثر مما هو في تفوّقه التكتيكي.
- الأمر الثالث، صفقات الانتقال أو الإعارة التي وقّعها مدريد بطلب أحياناً من زيدان إياه. فإضافة الى التخلّي عن أشرف حكيمي وعن خاميس رودريغيز وتهميش إيسكو (مما ساهم في تراجع مستواه)، فشل زيدان في خياراته الهجومية كافة: من المهاجم يوفيتش الذي لم يجد في الفريق مكاناً فعاد الى الدوري الألماني، الى لاعب الوسط المهاجم أوديغارد الذي يمضي وقته مُعاراً الى أندية إسبانية وإنكليزية، وصولاً الى البلجيكي إيدين آزار الذي أتى به زيدان في صفقة مالية قياسية ليرتدي الرقم 7، رقم المغادر كريستيانو رونالدو. ولعلّ التوقّف عند هذه الصفقة بالذات مفيد لفهم أسباب سوء مستوى آزار، وسوء مستوى مدريد حين يلعب آزار أساسياً.
فالبلجيكي الذي لمع مع تشلسي الانكليزي على الجهة اليسرى من الملعب أو في محوره، كصانع إلعاب وكهدّاف، لمع هناك رغم خشونة الدوري الانكليزي وقوّته لِحرّيته في استخدام المساحات وإخلائها له من قبل زملائه، ولقدرته على الاختراق، ولضعف عام لدى حرّاس مرمى فرق كثيرة في الكرات الثابتة (حتى العام 2017) سهّل له مهمة التسجيل من الركلات الحرة؛ والأهم ربما، لتفوّقه على زملائه في فريقه وراحته النفسية في أغلب المباريات ضد فرق واجهها على مدى سنوات ويعرفها جيداً.
غير أنه إذ وصل الى مدريد، وصل زائد الوزن (طُلب منه أن يخسر 5 كلغ وأن يغيّر نظامه الغذائي)، على أكتافه عبءُ ملء فراغٍ خلّفه أفضل هدّاف في تاريخ النادي المدريدي وفي تاريخ البطولة الأوروبية (كريستيانو)، والى جانبه نجوم لا يقلّ أيّ منهم تألّقاً عنه، ملزم باللعب في مساحات مشتركة مع بعضهم تقيّد حرّيته، وملزم بإثبات نفسه سريعاً إذ أن الأضواء مسلّطة عليه ومثلها الكثير من الآمال. النتيجة: تعب نفسي ورهبة من الملعب، وبطء في التأقلم وفي الحركة، ثم إصابات متكرّرة، بعضها خطير أبعده كلّ مرة أشهراً عن التدريب واللعب وصعّب كثيراً من مهّمته. ولا يُستبعد في هذا المجال أن تكون "بسيكولوجيا الإصابات"، أي قابلية لاعبين للإصابة بسبب خوفهم من اللعب ومن التقييم، إثّرت كثيراً على آزار. وهذا يذكّر بما عاشه البرازيلي كاكا، نجم ميلان والبرازيل الذي أمضى وقته في مدريد بين الإصابات والمستوى المتذبذب (رغم إشراقات بين الحين والآخر)، قبل أن يرحل عن الفريق من دون أن يترك البصمة التي كان للاعب فذّ مثله أن يتركها. ولم يكفِ تشجيع زيدان لآزار لإزالة الخوف والرهبة من رأس الأخير، فكان لاعتماده أساسياً في عدد من المباريات والإصرار على إبقائه رغم سوء أدائه (لارتباط اسم زيدان بصفقة استقدامه السيئة) أن جعل ريال مدريد يلعب بعشرة لاعبين ونصف لأن البلجيكي قليل الحيلة متردّد ولا أثر له على بناء الهجمات في مباريات - كما مع تشلسي - تحتاج جهوداً وضغطاً وإعادة تموضع سريعة طيلة دقائقها.
لهذه الأمور الرئيسية الثلاثة ولغيرها، فشل زيدان ومدريد في المباريات التي تفوّق فيها خصومهم تكتيكياً ونشاطاً عليهم. وحتى لو نجح مدريد في الأسابيع المقبلة في المحافظة على بطولته للدوري الإسباني (رغم أفضلية أتلتيكو مدريد ومنافسة برشلونة الحامية)، فإنه قدّم موسماً متوسّطاً، فيه الكثير من الصعود والهبوط، وهو قد يكون الموسم الأخير لعدد من لاعبيه، أو على الأقل الموسم الأخير لهذا الجيل المدريدي الذي حصد جميع البطولات وآن له أن يفسح المجال للاعبين جدد يحيطهم بالرعاية ويترك لهم أن يتطوّروا الى جانبه في العامين المقبلين. وربما يحتاج الأمر الى مدرّب جديد، أو ربما الى زيدان نفسه، ولكن في نسخة منقّحة...
ز.م
Commentaires
Enregistrer un commentaire