ملاحظات على بطولة أوروبا لكرة القدم

 شهدت بطولة أوروبا لكرة القدم (2020) المقامة العام 2021 عدة مفاجآت، وتكرّرت فيها أيضاً عدة ظواهر ومفارقات. النص التالي، قراءة سريعة في مجريات البطولة ونتائجها. 

الجائحة والجماهير والعنصرية

يفيد بداية القول إن كرة القدم تأثّرت كباقي الرياضات بجائحة كورونا التي أوقفت البطولات لأشهر العام الماضي، قبل أن تعود المنافسات من دون جمهور، ومن دون روح في الكثير من الأحيان.

وقد أدّى الأمر الى بعض التراجع في المستوى وفي إيقاع اللعب ووتيرته، ولو أن التنافس على الصدارة استمرّ طويلاً في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، حيث أنهى أتلتيكو مدريد وإنتر ميلانو وليل احتكار ريال مدريد وبرشلونة وجوفنتوس وباريس سان جرمان للألقاب الوطنية في السنوات الأخيرة، في حين نجح بايرن ميونخ في المحافظة على تفوّقه الكبير ألمانياً وعاد مانشستر سيتي للسيطرة إنكليزياً. وشهدت المسابقتان الأوروبيتان للأندية تقدّماً إنكليزياً كبيراً أوصل ثلاثة نوادٍ من أصل أربعة الى النهائيّين، حيث انتزع تشلسي لقب المسابقة الأولى ونجح فياريال الاسباني في انتزاع لقب الثانية. 

وتأثّرت كرة القدم خلال العام الماضي أيضاً، رغم غياب الجمهور، بقضايا العنصرية والتصدّي لها الوافدة من أميركا وبصداها أوروبياً، خاصة وأن بعض البطولات كانت تشهد دورياً سلوكيات عنصرية تستهدف اللاعبين السود البشرة. وعبّرت فرق ومنتخبات وطنية عن تضامنها مع النضال ضدّ العنصرية ومع التحرّكات المكافحة لها، وظهر لاعبون جاثمون على ركابهم وقبضاتهم مرفوعة في مشهديّات تضامن مع رياضيين أميركيين فعلوا الأمر نفسه متَحدّين إدارات نواديهم وتصريحات دونالد ترامب المندّدة بهم.

وكان لكل هذا بالطبع تأثير رياضي ونفسي على أحوال المنتخبات الوطنية وعلى الأجواء المحيطة باللعبة، خاصة في مدن تشهد ملاعبها شحناً عنصرياً يستهدف اللاعبين ذوي الأصول الإفريقية (كما في بودابست وموسكو حيث علت صافرات الاستهجان ضد اللاعبين الذي جثوا على ركابهم قبل مبارياتهم).


أحوال بعض المنتخبات 

ظهرت اللياقة البدنية والانضباط التكتيكي والقدرة على التركيز في الربع ساعة الأخيرة من العديد من المباريات، كأبرز عناصر حسم النتائج. وتفوّقت في ذلك فرق منظّمة مثل الدانمارك وسويسرا وتشيكيا، فتقدّمت في مراحل البطولة، ولو أن أياً منها لم يصل الى المباراة النهائية.

كما برزت في البطولة أيضاً علامات تعب جسدي وذهني دفعت مدافعين وحراس مرمى ولاعبي وسط الى ارتكاب أخطاء دراماتيكية أدّت الى تسجيل أهداف عن طريق الخطأ أو الى تمريرات نحو الخلف سمحت لمهاجمين خصوم بالاستفادة والتهديف. وهذا لا يتكرّر عادة الى هذا الحدّ في بطولات من هذا المستوى.

لجهة المنتخبات، يمكن القول إن خروج الفريق الفرنسي من الدور الثاني كان الخيبة الكروية الأبرز. ذلك أنه فريق مكتمل في جميع الخطوط، ويملك لاعبين بدلاء من مستوى عال. وشكّلت عودة كريم بنزيما إليه إضافة نوعية لكونه يستطيع اللعب في أكثر من مساحة هجومية، ويستطيع خلق الفرص وترجمتها والتفاهم بسرعة مع أي لاعب والتأقلم مع أساليب لعبه. لكن أخطاء تركيز في الدقائق العشر الأخيرة في المواجهة مع سويسرا أطاحت بالفرنسيين، وتسبّبت بحملات بعضها عنصري على بنزيما نفسه وعلى كيليان مبابي وبول بوغبا خصوصاً حمّلت إياهما مسؤولية الخروج (أطاح الأول بركلة جزاء ترجيحية، في حين خسر الثاني الكرة في وسط الملعب قبل هدف التعادل السويسري).

وعلى صعيد المنتخب الألماني، أنهى مدرّبه جواكيم لووْ مسيرته بخيبة ثانية بعد خيبة الخروج من الدور الأول في كأس العالم 2018. ذلك أن الأداء الألماني فيما خلا المباراة مع البرتغال كان رتيباً، يمكن على الدوام توقّعه، ولا تكفي القوة البدنية وخبرة عدد من اللاعبين وتميّز بعضهم الآخر لرفعه. ولعلّ المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها الكرة الألمانية بين الجيل الذي فاز بكأس العام 2014 والجيل الحالي تفسّر جزئياً الخلل الراهن، ولو أنها لا تكفي لجهة تفسير البطء أحياناً وتكرار نفس محاولات الاختراق غير المجدية المعطوفة على تعب بعض اللاعبين بعد مواسم تنافسية طويلة في البطولات حيث يلعبون.

أما منتخبا البرتغال، حامل اللقب، وبلجيكا، التي كانت مرشّحة بقوة للفوز به، فقدّما عروضاً متفاوتة، وكان لنجومهما (كريستيانو ولوكاكو وهازار ودي بروين) أدوار مهمة في إيصالهما الى الدور الثاني (البرتغال) والى الربع نهائي (بلجيكا). لكن كلاً من المنتخبين افتقد الى توازن الخطوط والقدرة على تنويع أساليب اللعب والعودة السريعة الى أجواء المنافسة إن فرض الخصم عليهما أسلوب لعبه وتقدّم ضدّهما. وكذلك كان حال الفريق الكرواتي الذي بدا التعب واضحاً على لاعبيه رغم لمحات فردية رفيعة ذكّرت بوصول الفريق الى نهائي كأس العالم الماضي وباستثنائية قيادة لوكا مودريش لريال مدريد الموسم الماضي بأكمله.

من جهتها، استهلّت إسبانيا مبارياتها بأداء باهت وبسيطرة معهودة على الكرة وتناقلها، ولكن من دون فاعلية تهديفية. غير أن مستوى الإسبان تقدّم مع تقدّم البطولة، وبدت التشكيلة التي استند فيها المدرّب أنريكي الى جيل شاب من اللاعبين مطعّم بأربعة لاعبي خبرة (من برشلونة وأتلتيكو مدريد وجوفنتوس) قادرة على تحقيق الانتصارات. ولولا سوء الحظّ في الركلات الترجيحية، لأطاحت بإيطاليا في النصف نهائي الذي سيطرت عليه تماماً في مختلف مساحات الملعب.

أنكلترا، الدولة المستضيفة، بدت من أفضل منتخبات البطولة من مبارياتها الأولى. دفاع صلب، وخط وسط كثير النشاط والحركة، ومهاجمون يصعب إيقافهم لسرعتهم، مع قدرة على الاختراق بالعمق وعلى الاستفادة من الكرات الثابتة والتمريرات الهوائية. وكان وصول الإنكليز الى المباراة النهائية مستحقاً تماماً. إلا أن إخفاقهم في التعامل مع حماس الايطاليين وبراعة مفاتيح لعبهم وتملّكهم الكرة، مضافاً الى التبديلات غير الموفّقة التي أجراها المدرّب الإنكليزي، ثم ضعف حيلة مسدّدي الركلات الترجيحية (الذين تعرّضوا بدورهم لحملات عنصرية بسبب لون بشرتهم)، أنهت حلماً إنكليزياً بالفوز بأول لقب وطني أوروبي. 

تبقى إيطاليا، بطلة أوروبا الجديدة (للمرة الثانية بعد لقب العام 1968)، التي كانت الفريق الأفضل بالنظر الى البطولة بمجملها، إن لجهة التشكيلات الرئيسية أو لجهة البدلاء وإدارة مانشيني للتبديلات، أو لجهة التوازن في الخطوط واللعب دائماً نحو الأمام. ويمكن القول هنا إن المدرب الإيطالي نجح في بناء فريق قويّ وواعد، إذ ان معظم عناصره من الجيل الإيطالي الجديد. وقراءته للمباريات كانت على الدوام دقيقة وواقعية. كما أن تفاهم خطّ دفاعه وبراعة حارس مرماه مكّناه من التصرّف بثقة للتركيز على بناء الهجمات والتقدّم الى الأمام في محور الملعب وفي جناحيه.

بهذا، فاز المنتخب الإيطالي الأكثر استحقاقاً للفوز ببطولة أقيمت في ظروف استثنائية، ولم يكن من السهل على لاعبين بذلوا جهوداً كبيرة خلال عامين صعبين أن يقدّموا أفضل ما عندهم في جميع المباريات. المهمّ الآن هو عودة الأمور تدريجياً الى شيء من العادية تسمح للجمهور بحضور المباريات، وتوفّر للاعبين ظروفاً أفضل للاحتفال بكرة القدم وأهدافها الملوّنة.

ز.م.

Commentaires