شافي إذ ينهض ببرشلونة مدرّباً بعد قيادته الباهرة لاعباً
شهدت مباراة "الكلاسيكو" بين ريال مدريد وبرشلونة في 20 مارس 2022 التي حسمها الأخير بفارق أربعة أهداف نظيفة، ولادةً جديدة للفريق الكاتالاني، بعد أشهر من التحضير وإعادة التنظيم والبناء قادها لاعبه السابق، وأحد صانعي تفوّقه في عهد المدرّب غوارديولا، شافي هيرنانديز.
والحقّ، أن ريال مدريد سهّل لبرشلونة مهمّته من خلال تشكيلة تجريبية اعتمدها أنشيلوتي، إذ حاول تعويض غياب قائد الفريق وهدّافه كريم بنزيما عبر دفع صانع الألعاب مودريش للعب مهاجماً في المحور، يتبادل المراكز مع الجناح الأيمن رودريغو ويتركان لفينيسوس حرّية التحرّك يساراً، وعبر إدخال فالفيردي الى خط الوسط الى جانب كروس وكاسيميرو، وعبر اللعب بظهيرين بانَ منذ الدقائق الأولى عجزهما عن إقفال الممرّين الأيمن والأيسر، هما ناتشو المعوّض غياب ماندي، وكاربخال، المتراجع مستواه منذ تكرار إصاباته في العامين الماضيَين. تسبّب ذلك في خلل واضح في تحرّكات الفريق في الشوط الأول وبارتباك قلبَي الدفاع آلابا وميليتاو المتعرّضين لضغط دائم، مما أدى الى تلقّي كورتوا هدفين دون قدرة الفريق على الردّ أو حتى صناعة الهجمات الخطرة. وجاءت محاولة المعالجة في بداية الشوط الثاني عبر نقل آلابا الى مركز الظهير الأيسر مكان ناتشو وإعادة مودريش الى الوسط (مكان المُنهك كروس) ووضع دياز أمامه كرأس حربة وكامافينغا خلفه كلاعب إرتكاز ثانٍ الى جانب كاسميرو (بعد إخراج كربخال) لتتسبّب بخلل إضافي مكّن برشلونة من إضافة هدفين في عشر دقائق، قبل أن يعدّل التبديلان الإضافيّان (فاسكيز وأسّونسيو) ميزان القوى وتتكافأ الأمور بين الفريقين في النصف الثاني من الشوط الثاني مبقيةً النتيجة على حالها.
على أن سوء تدبير ريال مدريد في هذه المباراة، وما بدا بطءاً في الأداء وقلّة حيلة في وسط الملعب وضعفاً في خط الظهر، لا يغيّر في أن الأداء البرشلوني كان قوياً وممتعاً وسريعاً، بقيادة لاعبين مخضرمين وآخرين من جيل جديد يتطلّع الى فرض نفسه، وأتاحت له تشكيلة مدريد أن يُظهر فارق السرعة والتفوّق في المواجهات الثنائية وفي التحرّكات طيلة دقائق المباراة.
فدامبيلي هاجم بثقة وتخطّى ناتشو في معظم محاولاته وقدّم تمريرتين حاسمتين (بينهما ركلة ركنية) جاء منهما هدفا برشلونة الأول والثاني. وتورّيس وبيدري وأوباميانغ ومن خلفهم دي يونغ تفوّقوا في محور الملعب ولجهة الجناح الأيسر، فأنهكوا بسرعة تحرّكاتهم وتمريراتهم وتفاهمهم كاربخال وقلبَي الدفاع، وتكفّل الخبير بوسكيتس (الذي ما زال أحد أفضل لاعبي الإرتكاز في العالم رغم تقدّم سنّه) المواكب لهم ومعه الظهيرين المتقدّمين بكفاءة والمرتدّين بسرعة للدفاع المخضرم ألبا والشاب (الهدّاف) أروجو بالسيطرة على مساحات مهمّة في الملعب تناقلوا فيها الكرة ودفعوا ثلاثي الوسط المدريدي للجري طيلة الوقت خلف الكرة بما أثّر على توازن المدريديين إذ كانوا كلّ ما قطعوا تمريرة يجدون فريقهم في تمركزٍ دفاعي متراجع لا يسمح لهم بالانطلاق مباشرة الى الأمام دون تحضير يقتضي تمريرات خلفية مارس "الشبّان" البرشلونيّين ضغطاً عليها فبانت متسرّعة وغالباً غير مجدية. وحُرم فينيسوس بالتالي من كرات بينية تمكّنه من توظيف سرعته ومهارته لتخطّي بيكيه الذي لم يعان هذه المرة كما في السنوات الثلاث السابقة من سرعة المهاجمين المدريديّين.
ويمكن القول إن أداء بوسكيتس الذي تراجع في العام الماضي وفي الأشهر الأولى هذا العام نتيجة خطط كويمان وإصراره على تعديل أسلوب برشلونة في إدارة المساحة بين قلب الدفاع وخط الوسط (بحجّة بطء بوسكيتس وبيكيه)، كان له أثره في جعل الربط بين الخطوط سريعاً لحظة استعادة الكرة أو قطع الهجمات ووفّر جهداً دفاعياً على دي يونغ بما أتاح له الضغط عالياً في الملعب ومواكبة المهاجمين. وإن كان من قول في أهداف برشلونة، فيمكن اعتبار الهدف الثالث ترجمة للّعب الجماعي السريع ولبدء اعتياد اللاعبين على فلسفة التمركز مع ومن دون كرة، وهي فلسفة مستمدّة من غوارديولا الذي كان يعتبر النجاح في الإداء هو في القدرة على تمرير الكرات في معظم الاتجاهات وإيجاد لاعب يستطيع تلقّيها في كلّ مرّة.
ولا شكّ أن جانباً كبيراً من الفضل في تحقيق هذه النتيجة هو من نصيب شافي، المدرّب صاحب الخبرة المحدودة والطموح الكبير، والتلميذ النجيب لغوارديولا ولَو أن خبراء الكرة الإسبان يقارنون أساليبه في التدريب بأساليب لويس أنريكي الذي لم تجمعه به علاقة جيدة. ذلك أنه رغم تأثّره الكبير بمدرّبه السابق غوارديولا - إذ كان مع بوسكيتس وإنييستا وميسي عماد فريقه - إلا أنه يتكيّف مع المباريات ويعدّل من التكتيكات بما فيها الاتّكال على التمرير الطويل، كما كان أنريكي يفعل (وعلى العكس من غوارديولا الذي يصرّ على فرض أسلوبه وتملّك فريقه للكرة بمعزل عن الخصم، بذريعة أن ذلك يُملي إيقاع المباراة ويحوّل الخصم دوماً الى لاهث خلف قطع التمريرات والى فاقد للقدرة على المبادرة)...
في أي حال، الكلاسيكو حُسِم لصالح برشلونة بعد ثلاث سنوات فاز فيها مدريد أربع مرات متتالية وتعادل الفريقان مرّة واحدة، وافتتح مرحلة جديدة يبدو فيها برشلونة بحلّة قادرة على إحراز نتائج كبيرة، لصغر سنّ أكثر من نصف لاعبيه الذين سيكونون بعد عامين أو ثلاثة في عزّ العطاء، بما يمنح شافي ثقة ودفعاً إضافياً لبلورة أساليب تدريبه وللسعي للألقاب مدرّباً بعد أن حصدها جميعها لاعباً.
ز.م.
Commentaires
Enregistrer un commentaire