ريال مدريد أو فريق السّحر العادي

 ليس ريال مدريد الفريق الأفضل أوروبياً هذا العام، لا على الصعيد الجماعي، ولا على صعيد اللاعبين الأفراد، كلّ في مركزه، إذا ما استثنينا كريم بنزيما في الهجوم وتيبو كورتوا في المرمى ولوكا مودريش في الوسط (في الكثير من المباريات وليس كلّها)، ولا على صعيد البدلاء، حيث ثمة نواقص في عدد من المراكز يُنتظر أن تملؤها انتقالات هذا الصيف.

لكنّ ريال مدريد هو بلا شكّ الفريق الأكثر تميّزاً أوروبياً وعالمياً، على صعيدَين. الأوّل، القدرة الدائمة على النهوض وإحداث ما يُشبه الانتفاضة في الملعب في أوقات يبدو فيها محاصراً أو عرضةً لضغط يمنع خطوطه من التواصل. ومردّ الأمر أن لعددٍ من لاعبيه (كورتوا وكروس وكاسيميرو ومورديش وبنزيما) الخبرة والمهارة والقوّة الذهنية الكفيلة بنقل الفريق بأكمله من مستوى الى آخر في اللحظات المصيرية، وتسجيل هدف أو خلق فرص تبثّ الحماسة لدى باقي اللاعبين من جهة، وتُحدث القلق والارتباك الشديد لدى الخصم من جهة ثانية، فتمكّن المهاجمين من قلب النتيجة في المباريات الكبرى. ويحصل هذا الأمر تكراراً بحيث لم يعد فيه ما يُفاجئ أو يُخالف المتوقّع. بل بات يشبه القدر وكأنه حتميّ الوقوع. والصعيد الثاني، هو الإعداد البسيكولوجي الناجح للّاعبين، بمن فيهم الشبّان، حيث الثقة بالنفس والاعتداد بتاريخ النادي تتحوّل الى ما يشبه القناعة بالمقدرة على التفوّق واجتراع المعجزات. فإن اقترن ذلك مع مواهب وذكاء لعب وحُسن تموضع في الملعب لدى شبّان (رودريغو وكامافينغا وسيبالوس مثلاً) يُدفع بهم في النصف أو الثلث ساعة الأخير، تتبدّل فيزيونوميا اللعب، ويفوق فائض الإصرار والطاقة والسرعة ما بمقدور الفرق الخصمة التعامل معه في هكذا مراحل من المباريات، ولا تفيد غالباً التبديلات المضادة للجمِها لأن الكيمياء والانسجام ليسا مضمونين بالمستوى ذاته والتلقائية نفسها عند المنافسين في الدقائق المتبقّية. 

هكذا، أطاح مدريد بباريس سان جرمان خلال 16 دقيقة بعد أن كان متأخراً بهدفين حتى الدقيقة 164 من عمر اللقائين (بثلاثية مذهلة لبنزيما). وهكذا أيضاً هزم مدريد تشلسي خلال أداء هجومي قاده بنزيما في لندن (محرزاً ثلاثية)، ثم خلال انتفاضة في الدقائق العشر الأخيرة من اللقاء في سنتياغو برنابيو بدأت بتمريرة سحرية من مودريش الى رودريغو وختمها بنزيما بتمريرة بديعة من فينيسيوس. وهكذا أخيراً أقصى ريال مانشستر سيتي، الفريق الأكثر تكاملاً (مع ليفربول) في إنكلترا وأوروبا، في دقيقتين فقط بعد أن كان متأخّراً بفارق هدف عقب لقاء الذهاب الممتع في مانشستر (حيث لم ينجح السيتي في قتل المدريديين الذين سجّلوا من ثلاث فرص ثلاثة أهداف) ثم بفارق هدفين في الإياب حتى الدقيقة الأخيرة، حين فقد الإنكليز التركيز نتيجة الضغط وانهار دفاعهم.

ويفيد القول هنا إن كارلو أنشيلوتي (وجهازه الفنّي الثلاثي المكوّن من ابنه وصهره وصديق عمره) يناسب تماماً الفريق في مرحلته الراهنة. ذلك أن المدرّب الإيطالي (الذي فاز بالبطولات الأوروبية الخمس الأبرز) عرف كيف يزاوج تقليديّته وأسلوبه التكتيكي المحافظ (والبارد) بحيّز واسع من الحرّية المتروكة لقادة فريقه، بحيث يطلب منهم في اللحظات الحرجة التصرّف بما يرونه مناسباً، ويعمد الى تبديلات موفّقة تُخرج المُنهكين منهم أو تمدّهم بطاقة جديدة يحتاجونها لانتزاع زمام الأمور وفرض إيقاع جديد وإمداد بنزيما بالكرات التي يجيد التصرّف بها بالرأس أو بالقدمين فيسجّل ممّا يُسمى أحياناً بـ"النصف فرصة". ولعلّ ما فعله أنشيلوتي قبل دخولهم الملعب في مباراة الإياب مع مانشستر سيتي الذي يقوده أحد أفضل المدرّبين في تاريخ كرة القدم (إن لم يكن الأفضل) يظهّر ما سبقت هنا الإشارة إليه. كلام حول الثقة بالقدرة على قلب أي نتيجة، وحول سحر الفريق وسحر ملعبه وتحويله المستحيل الى ممكن، ثم عرض لفيلم من ثلاث دقائق فيه جميع أهداف مدريد خلال المباريات التي قلب تأخّره فيها الى انتصارات أو الى نتيجة تؤهّله الانتقال من دور الى دور (رِمونتادا)، وتذكير بأن إحراز لاعبيه لهدف كافٍ لبثّ الرعب في قلوب اللاعبين الخصوم ونقل المنافسة الى موضع مختلف...

في الخلاصة، لم يعد القول بمعجزات مدريدية في المباريات الكبرى حين يكون متأخّراً ومخنوقاً في نصف ملعبه دقيقاً. فالمعجزة إن تكرّرت مرتين أو ثلاث مرات أو أربع انتفى في حدوثها معنى الإعجاز، وأصبحت هويّة لفريق أو جانباً أساسياً من جوانب ثقافته، وهو سيتسلّح بها في مباراته النهائية ضد ليفربول، الأقوى منه هذا العام والأكثر هجوميةً ورغبة في الفوز لثأر قديم ولأمل جامح لدى مدرّبه الممتاز يورغن كلوب بإظهار أن ثمة علاجاً للسحر، وثمة حدوداً لصناعة المستحيل.

زياد ماجد

Commentaires