أجمل صدّتين لحارسَي مرمى في تاريخ المونديال

لكلّ المراكز في كرة القدم خصائصها وأدوارها ومسؤولياتها خلال تملّك الفريق للكرة أو عند خسارتها. ويمكن أحياناً لخطأ في التقدير أو في التموضع أو في الاندفاع أو في التمرير أن يتسبّب بسلسلة أخطاء تتبعه، أو أن يؤدي الى تغيير في مجريات اللعب تُفضي الى هدف أو الى فرصة خطرة. وهذا يُعدّ ضمن ديناميات اللعبة، حيث الأخطاء واردة وحيث صلابة المجموعة وخبرتها غالباً ما تُقاس بقلّة الأخطاء التي ترتكبها وبالقدرة على النهوض بعد خطأ وبحماية اللاعب "المذنب" كي لا يؤدّي ما فعله الى ارتباكه أو حتى انهياره خلال المباراة.

غير أن وضع حرّاس المرمى يبقى وضعاً خاصاً، ذلك أن مسؤوليتهم أحياناً عن الأخطاء هي مسؤولية فردية، والضغط النفسي عليهم حين تَعرّضهم لهجمات الخصوم أكبر من أي ضغوط يمكن أن يعاني منها زملاؤهم. وفشلهم في التقاط الكرة قد لا يعوضُه أحد بل قد يؤدّي تلقائياً الى تلقي شباكهم الأهداف وخسارتهم المباريات. لهذا، يخوض الحرّاس في الفرق المحترفة تدريبات خاصة ترتبط بالتركيز الذهني وبإدارة التوتّر العصبي والسيطرة على الخوف والتشنّج وحسن تقدير الموقف، إضافة طبعاً الى اللياقة البدنية ووضعيات التصدّي للتسديدات وسرعة البديهة والحركة وسبل التوجيه الجيد للمدافعين.
ومهمّة حرّاس المرمى أبرز المهام في الكثير من الأحيان، إذ هم صمّامو الأمان، وإن حموا شباكهم ساهموا على الأقل في تجنّب الخسارة وتأمين التعادل وأوصلوا فِرقهم إن سجّل لاعبوها الهجوميّون الى الفوز.

وكثرة هم حرّاس المرمى على صعيد المنتخبات الوطنية الذين قادوا فرقهم وكانوا من مفاتيح انتصاراتها في المسابقات أو المباريات الكبرى، من ليف ياشين الى غوردون بانكس ودينو زوف وسيب ماير وداساييف وصولاً الى بيتر شمايشل وبوفون وكاسياس ومانويل نوير وكورتوا.
وكثرة هي التصدّيات "البطولية" التي نجح فيها حرّاس في كؤوس العالم في إبعاد الكرات عن شباكهم. يرتمون أرضاً أو "يطيرون" نحو الزوايا أو يخرجون لملاقاة المهاجمين أو يقطعون الكرات بكل ما أوتِيت أجسادهم من قوة. يرتطمون بالعارضات أو بزملائهم أو بخصومهم وعيونهم دائماً نحو الكرة لمنعها من عبور خطّ أو من إصدار ذلك الصوت السحري الذي يعني أنها سكنت الشباك وهزمت تركيزهم وطاقة أذرعهم أو أرجلهم القصوى. ويصعب بالتالي اختيار تصدٍّ أوحد واعتباره الإنجاز الأهم لحارس مرمى في تاريخ المونديال. فتصدّي بوفون لرأسية زيدان في نهائي العام 2006، وتصدّي كاسياس لانفرادية روبن في نهائي العام 2010، قادا فريقيهما لإحراز اللقب. 
لكن العودة بعض الشيء الى الوراء، توصلنا ربّما الى صدّتين أجمل أو أقرب الى الإعجاز:
الأولى والأقدم، في العام 1970، حين أبعد حارس إنكلترا غوردون بانكس رأسية بيليه الصاروخية من وضعية شبه مستحيلة بعد أن ارتدّت الكرة من الأرض، حائلاً دون تكرار ارتدادها من قبضته الى داخل الشباك. ولم يحُل الأمر دون فوز البرازيل يومها بنتيجة 1-صفر وتتويجها لاحقاً ببطولة الكأس المقامة في المكسيك.
والصدّة الثانية هي لدينو زوف، العام 1982 في ربع النهائي في إسبانيا، لرأسية أوسكار بطريقة مبتكرة سُمّيت ب"باراتا زوف" (Parata)، وتقنيّتها تقوم على عدم تخليص الكرة وإبعادها بقبضة أو قبضتين كي لا يستفيد منها مهاجم خصم أو كي لا تحدث دربكة أمام المرمى أو تؤدّي الى ركلة ركنية. عوضاً عن ذلك، يرتمي الحارس بالسرعة القصوى ويقبض على الكرة ويثبّتها بجزء من الثانية على الأرض ضاغطاً عليها كي لا تكمل طريقها من تحته نحو الشباك. وهذا يتطلّب ردّة فعل فائقة المهارة وهدوء أعصاب في أكثر اللحظات توتّراً. ونتيجة تصدّيه المذكور، هزمت إيطاليا البرازيل (أفضل منتخب ربما في تاريخ اللعبة) بثلاثية لباولو روسي (مقابل هدفين لسقراطس وفالكاو)، وتابعت طريقها نحو لقبها الثالث.

هنا تصدّي بانكس لبيليه

وهنا تصدّي زوف المدهش لأوسكار
ز.م.

Commentaires