اليومان الثالث والرابع من المونديال: مفاجأتان سعودية ويابانية وأهداف فرنسية وإسبانية بالجملة

شهد اليوم الثالث من كأس العالم 2022 مفاجأة كروية مذهلة، تمثّلت بفوز السعودية على الأرجنتين بهدفين (مقابل هدف واحد)، بينهما أجمل هدف في البطولة حتى الآن، بتوقيع الدوسري. وذكّر الفوز السعودي هذا، عربياً، بفوز الجزائر على ألمانيا الغربية العام 1982، ولو ضمن سيناريو مباراة مختلف.

وجاء الفوز السعودي نتيجة جهد كبير للاعبين في الشوط الثاني من المباراة، منعوا فيه الأرجنتينيين من بناء هجماتهم نتيجة الضغط العالي في الملعب والتنظيم الدفاعي الجيد الذي أوقع ميسي وزملاءه تكراراً في مصيدة التسلّل، ونتيجة اللعب بالعمق وبتمريرات ممتازة فور استلام الكرة لخلق تفوّق عددي سعودي هجومي أو اختراق منطقة الجزاء الأرجنتينية من محور الملعب.

وظهر المنتخب الأخضر متماسكاً طيلة المباراة، وتحمّل الدفاع وحارس المرمى الضغط في الدقائق الأخيرة وفي الوقت بدل الضائع (13 دقيقة!) لينتزع أول 3 نقاط في المجموعة. أما المنتخب الأرجنتيني، فقد بدا دون المستوى الذي ظهر فيه في العامين الأخيرين، ولم يُفلح لاعبوه لا في بناء الهجمات من الخلف، ولا في تحرير المساحات أمام ميسي ولا في الاختراق عبر الجناحين مما حرمهم من القدرة على التهديف رغم بعض الفرص الخطيرة التي لاحت لهم، خاصة في آخر المباراة.

وفي المجموعة نفسها، تعادلت بولندا والمكسيك من دون أهداف، في مباراة متوسّطة، أبرز ما فيها صدّ الحارس المكسيكي الخبير أوتشوا ركلة جزاء سدّدها هداف بولندا التاريخي ليفاندوفسكي...

بهذا، تبقى الاحتمالات كلّها واردة بالنسبة للتأهّل عن المجموعة، مع أفضلية نظرية للسعوديين الذين يكفيهم فوز واحد للتأهّل، في حين أن الارجنتينيين مطالبون بفوزَين والبولنديين والمكسيكيين بفوز وتعادل.

في المجموعة الرابعة، وبعد تعادل سلبي بين الدانمارك وتونس، في مباراة كافح فيها التونسيون حتى الدقيقة الأخيرة وتفوّقوا على الدانماركيين في معظم فترات الشوط الأول قبل ان يرتدّوا للدفاع في الشوط الثاني وللضغط على منافسيهم في المساحات بين الخطوط لمنعهم من تنظيم هجماتهم، قدّمت فرنسا عرضاً هجومياً ضد أستراليا الضعيفة تقنيّاً (رغم قوة لاعبيها البدنية) وفازت بأربعة أهداف لواحد. وأظهرت المباراة، المتوسّطة المستوى، قدرات اختراق فرنسي للخطوط المنافسة من كل مواضع الملعب نتيجة سرعة الجناحين (ديمبيلي ومبابي) وحيوية لاعبي الوسط (في هذه المباراة برز رابيو بخاصة) وبراعة غريزمان في اللعب خلف المهاجمين (إذ اعتمد ديشان تشكيلة 4-2-1-3) وفاعلية جيرو أمام المرمى (سجّل هدفين وتساوى في عدد الأهداف مع تييري هنري كأفضل هدّاف في تاريخ المنتخب الفرنسي). على أن تقييم مستوى فرنسا الفعلي قد يكون أصحّ عند مواجهة الزرق لخصمهم الدانماركي المنظّم والمضطرّ للفوز في مباراته المقبلة لكي يستمرّ في البطولة.

وفي اليوم الرابع، خاض المنتخب المغربي مباراة صعبة مع كرواتيا، ثانية البطولة العام 2018، وقدّم فيها أداءً جيّداً، وضغط في العديد من فترات المباراة على المنطقة الكرواتية، محاصراً خط الوسط الكرواتي ومانعاً لوكا مودريش من صناعة الهجمات، بما أحال دوره الفعلي الى مسدّد للكرات الثابتة التي تعامل معها المغاربة بثقة وشتّتوها ومنعوا الكرُوات من الاستفادة من "الكرة الثانية" أو من احتمالات المتابعة.

كما شهد هذا اليوم في المجموعة إياها، السادسة، فوز بلجيكا على كندا في مباراة لم تكن سهلة على البلجيك رغم تفوّقهم التقني بسبب القوة البدنية للاعبين الكنديين ولياقتهم العالية التي وظّفوها لتقليص مساحات لعب خصومهم. وصدّ كورتوا ركلة جزاء صعبة مكّنت بلجيكا من تصدّر المجموعة وتعزيز حظوظها في التأهل في انتظار المواجهات القادمة.

أما في المجموعة الخامسة، حيث كانت ألمانيا وإسبانيا مرشّحتين للتقدّم بيُسر نحو دور الـ16، فإن مفاجأة المونديال الكُبرى الثانية حصلت حين أطاحت اليابان بالمنتخب الألماني في مباراة سريعة من الطرفين استفاد فيها اليابانيّون من الخلل في خط الدفاع الألماني حين يُعيد التمركز بعد خسارة الكرة. وتنبّه المدرّب مورييساو للأمر فبدّل من طريقة لعب فريقه في الشوط الثاني عبر تحويل التشكيلة من 4-5-1 الى 3-5-2 بحيث ضاعف الضغط على الدفاع والوسط الألمانيّين لمنع لاعبيهما من بناء الهجمات واللعب في العمق، وتمكّن لاعبوه من التحرّك بسرعة في مساحات الملعب وبين الخطوط الألمانية وسجّلوا مستفيدين من خطأ في تطبيق المدافعين الألمان للاصطفاف الذي يجعل المهاجمين متسلّلين، ومن عدم إخراج الكرة بفاعلية من نصف الملعب الألماني نحو الهجوم.

ولم يتمكّن الألمان رغم التبديلات والتكثيف العددي الهجومي من قلب تأخرّهم الى تعادل على الأقل، والأرجح أن المدرّب سيعدّل في تشكيلته وفي أسلوب اللعب في مباراتيه المقبلتين، خاصة أن ألمانيا ستواجه في لقائها المقبل إسبانيا، وقد لا تتأهّل من دون الفوز عليها.

وإسبانيا من جهتها، دخلت المسابقة بتشكيلة هجومية قائمة على الـ4-1-2-3، وبرع لاعبوها في تناقل الكرة والوصول الى مرمى كوستاريكا مستفيدين من مهاراتهم وتفاهم خطوطهم وقدرتهم على تنويع الأساليب، ومن الضعف الشديد لخط الدفاع الكوستاريكي وللفريق ككل الذي ترك الحارس نافاس عرضة لسبعة أهداف تناوب على تسجيلها لاعبو الهجوم والوسط وعدد من بدلائهم. ولا شكّ أن إسبانيا فريق متماسك ومن المرشحين للمنافسة على اللقب، لكنّ تواضع كوستاريكا (الفريق الأضعف مع قطر وإيران في ما شهدناه  في الأيام الأربعة الأولى) يجعل الحُكم على مدى قوّة الإسبان مبكراً لأن دفاعهم لم يتعرّض لأي ضغط ولأن كلاً منهم في موقعه أكثر خبرة وإعداداً وألمعيةً من اللاعب الكوستاريكي المقابل له. والتقييم الفعلي سيأتي بالطبع في المباراتين المتبقّيتين في المجموعة.

كأس العالم تزداد إذاً إثارة ومستواها تحسّناً، وبعض المجموعات ستشهد تنافساً حامي الوطيس حتى اللحظة الأخيرة.

زياد ماجد

Commentaires